من أرشيف الذاكرة .. الحقوق والحريات بين الماضي والحاضر
يمنات
أحمد سيف حاشد
– في الوقت الذي نرفض اعطاء صك براءة للماضي، بل و نحمّله جزء من مسؤولية ما يحدث، إلا أننا لا نتردد في وصف الواقع الذي نعيشه اليوم بالجائحة أو الكارثة الحقوقية، و بكل ما تحمله الكلمة من معنى كثيف و عميق..
و تسليط الضوء على هذا و ذاك، إنما هو محاولة لفهم و استيعاب ما حدث و يحدث، و ذلك للاتعاظ، و عدم التكرار مستقبلا، مع التأكيد على أهمية ملاحقة المجرمين، و عدم إفلاتهم من العقاب، أو هذا ما نريده، أو نحلم بتحقيقه في المستقبل المنظور..
– في الماضي استحدثوا وزارة حقوق الإنسان، ليس لتصون و تحمي الحقوق و الحريات، بل لتحتال عليها، و تعمد إلى تسيسها، و تتعامل معها بانتقائية، و تمارس انحيازها لصالح سلطة النظام الحاكم، فضلا عن تزييف وعي الرأي العام، و إيهامه أن هناك وزارة تساند و تدافع عن الحقوق و الحريات..
– أما اليوم فصارت لدينا وزارتين ملعونتين، لا علاقة لهما بالإنسان و حقوقه، و لا تمتلكان أي تأثير إيجابي على الجهات التي تمارس الانتهاكات، بل هما مجرد دعاية ناعمة، وضعت للمخادعة في بوابات و مداخل مسالخ حقوق الإنسان، و زائد على هذا تمارسان تسيس القضايا الحقوقية إلى أبعد مدى، و الدفاع بصورة ناعمة عن الانتهاكات و الفظاعات و البشاعات التي ترتكبها السلطات، و التغطية عنها، و التواطؤ مع مرتكبيها، و الزعم الكاذب أنها تفعل شيئا لصالح الإنسان..
– البرلمان في الماضي أصدر تشريعات بائسة كبؤسه، “تصيب ثقب الإبرة و تخطي الجمل”.. قوانين تشبه بيوت العنكبوت التي قال عنها “جوناثان سويفت” بإمكانها الإمساك بالذباب الصغير، لكنها تسمح للدبابير بالمرور .. فيما لم يكتفِ الدكتور مارشن في تقرير منظمة “ايفس”، بتشبيه تشريعاتنا بالجبنة السويسرية المليئة بالثقوب، بل أضاف قائلا: “للأسف أن ما رأيته في اليمن عبارة عن ثقوب، و ليس جبنة مثقوبة”.
– أما اليوم فقد تعطل البرلمان البائس، و تم تعطيل العمل بتلك القوانين المثقوبة، دون أن يمنع هذا من العمل بأكثر القوانين سوء و رداءة، و على رأسها تلك التي تحصّن كبار المنتهكين للحريات و حقوق الإنسان، و كبار الفاسدين، من شاغلي الوظائف العليا، للإفلات من المساءلة و الملاحقة و العقاب..
– اليوم و بصورة صارخة صارت النصوص التي تحمي الحقوق و الحريات تغوص ببرك الدم و الجريمة، و صارت الانتهاكات أكثر بشاعة و فظاعة، و أكثر من هذا إن سلطات الأمر الواقع في صنعاء و عدن و غيرها صارت تصدر و تنفذ قوانينها الخاصة، و تعمل على إنفاذها في المناطق الواقعة تحت سلطاتها و سيطرتها .. هكذا تبدو الأمور اليوم، و أكثر سوء من أي وقت مضى..
– شكّل النظام السابق محاكم جزائية متخصصة، هي في الأصل محاكم استثنائية أو محاكم تنتمي في جوهرها للقضاء الاستثنائي، و ذلك لمحاكمة خصومه السياسيين، و لم يلغها النظام الذي تلاه، بل تغاضى عنها، و سمح لها أن تستمر، أما اليوم فصارت سلطات الأمر الواقع تستخدم تلك المحاكم أو القضاء الاستثنائي في خدمة أجندتها السياسية، و قمع خصومها السياسيين، بما فيهم أفراد النظام السابق المنشئ لها، حتى وصل بها الأمر اليوم إلى اختزال إجراءات المحاكمة في جلسة واحدة، بل و اصدار أحكام الإعدام في نفس الجلسة، بعيدا عن القانون، و إجراءات المحاكمة العادلة، و تعمُّدها إهدار حقوق المتهم جملة و تفصيلا..
– في الماضي كان أعداء الحرية يعتقلون الأحرار، و حتى بعض الأبرياء على قاعدة المتهم مذنب حتى يُثبت برأته، و كان يتم التعذيب في السجون، و كانت تتم تصفيات و قتل البعض خارج القانون، و لكن ليس على نطاق واسع، و تتم في الغالب بتكتم شديد، و وفق اختلاق قصص و سيناريوهات معدة سلفا..
– أما اليوم فأعداء الحرية و في ظل سلطات الأمر الواقع في شتى مناطق اليمن، يستسهلون القتل على نحو يفوق التصوّر و الخيال، و يجري استرخاص الدماء على نحو غير مسبوق، أو كما وصفهم وليم رالف إنغ “لا يجادلون بل يصرخون و يطلقون النار” أما فيما يخص الاعتقالات و التعذيب و الانتهاكات الأخرى فحدّث و لا حرج، و هي من الكثرة و الزحام لم يعد لها عد و لا حصر..
– كان لدينا ائتلاف منظمات المجتمع المدني لمناصرة الحقوق و الحريات .. كانت لدينا “هود” و صحفيات بلا قيود، و “الشقائق” و المرصد اليمني، ومنظمة التغيير، و “المنظمة اليمنية” و “المدرسة الديمقراطية” و “المنتدى الاجتماعي الديمقراطي” و “منتدى التنمية السياسية”.. كان لدينا أيضا نقابة الأطباء و الصيادلة، و نقابة المعلمين، و نقابة المهن التعليمية واتحاد عمال الجمهورية و غيرها .. و رغم المآخذ الكثيرة على تلك المنظمات و النقابات، و رغم الواقع السيء التي كانت تعمل في بئته، إلا أن اليوم لم يعد أو يبقى هنالك شيء .. إنها المأساة العريضة في واقع بات أكثر مأساوية و كارثية..
– أين المنظمات الحقوقية و الاتحادات الدولية ذات الباع العريض و التاريخ العريق و على رأسها منظمة العفو الدولية، و “هيومن رايتس ووتش” و منظمة مساندي الخط الأمامي، و اتحاد البرلمان الدولي، و الاتحاد الدولي للصحفيين، و مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة و غيرها..؟!!
– كانت هذه المنظمات و الاتحادات تقيم الدنيا و لا تقعدها عندما يتعرض فرد للتعذيب أو لأبسط انتهاك حقوقي، و اليوم شعب يباد و انتهاكات مريعة تجتاحه منذ أربع سنوات طوال، مذابح و مقابر جماعية، و انتهاكات فظيعة بالطول و العرض، ترتكب كل يوم بحق شعبنا، و لا تفعل شيء يستحق الذكر، و كأن تلك المنظمات و الاتحادات و المكاتب، مجرد مساحيق تجميل للنظام الرأسمالي العالمي المتوحش و البشع، و لا يعدو دورها غير إعداد ملفات حقوقية، يتم توظيفها و استخدامها في الحاضر أو المستقبل لصالح الأجندات السياسية للدول، و لنظام الرأسمال العالمي، و وفق أهدافه، و بما يخدم مصالحه لا سواها.
***
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.